الطريق إلى الرياض

تقديم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فإن الإسلام أكبر نعمة أنعمها الله على الأمة، واستحضار هذه الحقيقة في كل عمل مخلص هو قمة الوعي بها، ومن ثم الدفاع عن مقوماتها. ولقد أدرك الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله- عظمة هذه النعمة الإلهية، وعمل لتمثلها في نفسه، فجعل الإسلام نبراسًا له في كل أعماله، وحقق أهدافه السامية المتمثلة في التمسك بالعقيدة وتطبيق الشريعة الإسلامية والدفاع عنها ونشر الأمن، وتأسيس مجتمع مُوحَّد يسوده الرخاء والاستقرار.

ولقد كان استرداد الملك عبدالعزيز للرياض في الخامس من شهر شوال عام ١٣١٩هـ / ١٩٠٢م هو اللبنة الأولى في تأسيس المملكة العربية السعودية، في حين تعود جذور هذا التأسيس إلى أكثر من مئتين واثنين وستين عامًا، عندما تم اللقاء التاريخي بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله - عام ١١٥٧هـ/ ١٧٤٤م، فقامت بذلك الدولة السعودية الأولى على أساس الالتزام بمبادئ العقيدة الإسلامية، ثم جاءت الدولة السعودية الثانية التي سارت على الأسس والمبادئ نفسها.

وعندما بدأ الملك عبدالعزيز في مشروع البناء الحضاري لدولة قوية الأركان، كان يضع نصب عينيه السير على منهج آبائه، فأسس دولةً حديثةً قويةً، استطاعت أن تنشر الأمن في أرجائها المترامية الأطراف، وأن تحفظ حقوق الرعية، بفضل التمسك بكتاب الله - عزّ وجلّ - وبسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وامتد عطاؤها إلى معظم أرجاء العالمين العربي والإسلامي، وكان لها أثر بارز في السياسة الدولية بوجه عام، بسبب مواقفها العادلة والثابتة، وسعيها إلى السلام العالمي المبني على تحقيق العدل بين شعوب العالم. وجاءت عهود بنيه من بعده: الملك سعود والملك فيصل والملك خالد - رحمهم الله -، وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - امتدادًا لذلك المنهج القويم.

وفي الخامس من شهر شوال عام ١٤١٩هـ/ ٢٢ يناير ١٩٩٩م يشهد التاريخ مرور مئة عام على دخول الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الرياض، وانطلاق تأسيس المملكة العربية السعودية، عبر جهود متواصلة من الكفاح والبناء، نقلت هذا الوطن وأبناءه من حال إلى حال.  وصنعت - بتوفيق الله تعالى - وحدةً حقيقيةً على أساس الإسلام، ملأت القلوب إيماناً وولاءً، وجسدت معاني التلاحم التاريخي بين الشعب وقيادته في مسيرة تاريخية.

إن استحضار أحداث ذلك اليوم في نفوس أبناء المملكة عون على شكر الله على نعمه، وتذكير بأن هذه البلاد - التي قامت فيها الدعوة والدولة معاً - لا تزال وفيةً لعهد أجيال التأسيس والتوحيد، مستمدةً منهجها في الحياة من كتاب الله وسنة نبيه.

ومن أجل رصد الجهود المباركة التي قام بها المؤسس - رحمه الله - وأبناؤه من بعده؛ عرفاناً بفضلهم ووفاءً لحقهم؛ وإيضاحاً لمنهجهم القويم قامت اللجنة العليا واللجنة التحضيرية بتكليف دارة الملك عبدالعزيز بإعداد دراسة توثيقية تتناول رصد الأحداث زمن الملك عبدالعزيز وتحركاته في طريقه إلى الرياض لاستردادها وبدء تأسيس المملكة العربية السعودية. وهذا الإصدار ما هو إلا واحداً من عدد من الأعمال العلمية التي تقوم الأمانة العامة للاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة، ودارة الملك عبدالعزيز بإصدارها بهذه المناسبة.

وفي الختام أسأل الله القدير أن يتم علينا نعمه، وأن يوزعنا شكرها، والحمدلله الذي بفضله تتم الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

                               سلمان بن عبدالعزيز

                      رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز

مرفقات الموضوع