الطريق إلى الرياض

القسم الأول

حصار(المصمك) ١٣١٨هـ

 انفصل الملك عبدالعزيز عن جيش مبارك بقوة قدرت بنحو ألف مقاتل واتجه بها نحو(الرياض)(٤٩) بعد استئذانه من والده(٥٠).

ويبدو أن قرار عبدالعزيز هذا وجد تأييدًا قويًّا من الشيخ مبارك الذي رأى في تحرك الملك عبدالعزيز نحو (الرياض) إشغالاً لابن رشيد على عدة جبهات.

اتجه الملك عبدالعزيز بقوته نحو (الرياض) وقطع المسافة إليها من (الشوكي) في يومين(٥١)، وكان خط سيره بعد دخول (الرياض) أنه انطلق من مكان يقع في ظهرة (منفوحة) ومضى في هجومه عن طريق الموقع الذي يسمى (معكال)(٥٢)، وعندما وصل (الرياض) تصدى له رئيس حامية ابن رشيد فيها عبدالرحمن بن ضبعان(٥٣)، وقاتلهم عبدالعزيز حتى اضطرهم إلى دخول المدينة واللجوء إلى قصر (المصمك)(٥٤).

حاصر عبدالعزيز (المصمك) أربعين يوماً تخللها قتال بين الطرفين(٥٥)، وفي أثناء الحصار عزم عبدالعزيز على حفر نفق إلى قصر (المصمك)، وبدأ في تنفيذه فعلاً(٥٦)؛ ولكن خطة عبدالعزيز لم يكتب لها النجاح، لأجل التطورات العكسية التي حصلت في (الصريف) فما إن أخبره والده(٥٧) بهزيمة جيش مبارك حتى اضطر إلى فك الحصار عن (المصمك) ومغادرة (الرياض) دون أن يتم حفر النفق(٥٨).

وبالرغم من أن هذه المحاولة لاسترداد (الرياض) تعد أول عمل عسكري للملك عبدالعزيز فإنها اتسمت بحسن التخطيط وكادت تنجح، وأسهمت في التعرُّف على أوضاع المدينة عسكريًّا.

ومن الممكن عدّ هذه المحاولة المقياس الحقيقي الذي جعل الملك عبدالعزيز يفكر جدياً في طرح مسألة ضرورة إعادة الكَرَّة وبأسرع وقت ممكن، وهذا ما جعله يجهز حملةً أخرى في وقت قصير لا يتجاوز أربعة أشهر، والأوضاع متشابهة.

ويمكن إرجاع المحاولة الثانية والسريعة إلى عدة أسباب من أهمها إدراك عبدالعزيز أن استرداد (الرياض) لن يتم إلا بطريق دخول (المصمك).

وهناك عامل آخر أفاد منه عبدالعزيز وهو اختفاء سور (الرياض) الذي أمر  الأمير محمد بن رشيد بهدمه سنة ١٣٠٩هـ/١٨٩١م تنكيلاً بأهل (الرياض) في أعقاب وقعة (حريملاء). إضافةً إلى أن عبدالعزيز استغل ابتعاد عبدالعزيز بن رشيد عن (نجد)، ووجوده في (حفر الباطن) وعلى أطراف (الكويت) منشغلاً بمحاولة الاستيلاء على (الكويت)، فأسرع في الخروج من (الكويت) لإعادة الكرة على (الرياض) التي انتهت باستردادها.

وقد اعترض الملك عبدالعزيز معوقات كثيرة في أثناء المحاولة الثانية في الهجوم على (الرياض) التي انتهت باستردادها، وواجه أوضاعاً قاسية تكالبت عليه من جوانب متعددة؛ ولم يحدث أنه تراجع نهائياً أمام هذه المعوقات، وتهدف هذه الدراسة إلى رصد تحركات الملك عبدالعزيز من (الكويت) إلى (الرياض) والأحداث التي واجهها في أثناء ذلك والتغيرات التي طرأت عليها، وتحليل أسلوبه في التعامل معها وما اتخذه من سياسات تجاهها.