الطريق إلى الرياض

القسم الثالث

الجافورة

يطلق الآن هذا الاسم على الرمال الواسعة الممتدة شمالاً من قرب ميناء (العقير) حتى جنوبي (الأحساء)، ويتسع امتدادها جنوبًا حتى تختلط برمال (الربع الخالي).

من المتكلمين عنها من وسَّع من نطاق امتدادها ومنهم من ضيق، واسمها هذا مستحدث ولعله أخذ من طبيعة تكوين رملها، فهو عبارة عن نُقَر متتابعة لا يكاد السائر فيها يخرج من نقرة حتى يقع في نقرة أخرى وهكذا دواليك.

ولفظا النقرة والجفرة متقاربان في المعنى عند علماء اللغة، فمن أقوالهم عن الجُفرة إنها: سعة في الأرض مستديرة ، ولعل المتأخرين أسموها بهذا الاسم لذلك.

ويرى الشيخ حمد الجاسر أن رمال (الجافورة) هـي ما يسمى قديمًا (بَيْنُونَة الدُّنْيَا)، ولعل أقرب وصف لتحديدها ما ذكره بقوله: تحد الجافورة من الغرب بمنطقة (الأحساء)، فمرتفعات (الأغوار)، (فبرقان الضمران)، فواحة (يبرين) و(الخنّ)، الواقعة في طرفها الجنوبي الغربي، أما من الشرق فتتصل برمال (الربع الخالي)، ويحدها شمالاً ساحل البحر الممتد من جنوب (العقير) حتى رأس (سلوة)، (فالجيبان) (فالجوب) (فصحراء السنام).

وأقصى امتداد للجافورة نحو الشمال شمال العقير عند خط العرض  26.00ْ  تقريبًا  وطولاً  ٤٩.٠٥ْ  شرق، ثم  ٣٠ْ – ٤٩ْ إلى عرض  ٢٥.٠٠ْ  ثم ١٠ْ – ٤٩ْ عند عرض ٠٠ْ- ٢٤ْ(٢٣٥).

ومن هذا المسمى الحديث للجافورة ينهض سؤال مفاده: هل (الجافورة) جزء من الربع الخالي ؟

وللجواب عن هذا السؤال نقول:

يبدو أن تحديد اسم هذه الرمال كان محل خلاف بين المتقدمين، فاستتبع ذلك عدم الدقة في تحديد كل من الربع الخالي والجافورة: لا سيما بعد تغير اسميهما القديمين. وقد حرص الفريق الميداني عند زيارته مؤخرًا للأماكن الواقعة شمال (الجافورة) وشمال غربها على سؤال القاطنين في تلك الجهات عن حدود الجافورة، وهل تعدّ جزءًا من رمال (الربع الخالي)، ومن مجمل الإجابات يتضح أنه يصعب الجزم بذلك، وأن لأهل كل بلد تعريفاتهم الخاصة بأسماء أجزاء تلك الرمال الواسعة.

ومما يدل على أن هذا الاختلاف والتباين كان قديمًا ما ذكره لوريمر في كتابة « دليل الخليج» وهو يتكلم عن حدود (الجافورة)، حيث قال: «وسواء كانت الجافورة جزءًا من الربع الخالي أم لم تكن فهي متميزة وشاسعة جدًّا»(٢٣٦).

هذا القول من لوريمر يعطي دليلاً على أنه لم يحصل من أقوال معاصريه على رأي جازم يبين أن (الجافورة) جزء من (الربع الخالي) أم لا، وهو من هو في التحري والتقصي عند تحديد الأماكن في تلك الجهات.

ونجد الملك عبدالعزيز  وهو يروي للأستاذ فؤاد حمزة قصة استرداد (الرياض) يقول:

«أخذنا أرزاقًا وسرنا وسط الربع الخالي، ولم يدر أحد عنا أين كنا، فجلسنا شعبان بطوله إلى عشرين رمضان ثم سرنا إلى العارض»(٢٣٧).

إن الملك عبدالعزيز لم يوضح الجهة التي دخل منها إلى وسط (الربع الخالي)، أو المكان الذي أقام فيه، وأغلب الباحثين حددوا بأنه مكان بين (حرض) و(يبرين): وهذا القول لا يستند إلى دليل.

وإذا فاتت معرفة دخول الملك عبدالعزيز ومن كان معه إلى رمال (الربع الخالي)، فلن تفوت معرفة الجهة التي قدم منها حينما خرج من وسط هذه الرمال؛ فمن الثابت أنه عندما خرج مَرَّ على ماء (الزرنوقة) كما ورد ذلك في «تاريخ مقبل الذكير»، حيث قال:

«في سنة ١٣١٩هـ في آخر رمضان سار الإمام عبدالعزيزبن عبدالرحمن الفيصل من (الزرنوقة) ماء من مياه (الأحساء) وتوجه إلى (الرياض)...»(٢٣٨).

ومعروف أن (الزرنوقة) تقع في الطرف الشمالي  الغربي من رمال (الجافورة) شرقي جبال (الخرماء)، وهي تبعد عن وسط مدينة (الهفوف) سبعة وثلاثين كيلاً. ومن (الزرنوقة) ورد آبار (وَيْسَة) غربًا من (الزرنوقة) على بعد خمسة وعشرين كيلاً، تفصل بينهما جبال (الخرماء)، ويدل على ورود الملك عبدالعزيز وهو متجه إلى (الرياض) لـ(ويسة) ما ورد في تقرير الوكيل البريطاني آنذاك، ونصه: «في شهر رمضان وبينما كان عبدالعزيز بن عبدالرحمن في قرية (ويسة) Waisa بالقرب من (الأحساء) وضع خطة للتوجه إلى الرياض»(٢٣٩).

هذان النَّصَّان يدلان دلالةً واضحةً على أن الملك عبدالعزيز ومن معه قدموا من رمال (الجافورة ) الواقعة جنوب شرق موردي (الزرنوقة) و(ويسة)، وليس من وسط رمال ما يسمى الآن بـ(الربع الخالي)، لأن رمال (الجافورة) تمتد مئات الأكيال، الأمر الذي يستبعد معه أن يقدم الملك عبدالعزيز ورجاله من وسط ما يعرف الآن بـ(الربع الخالي) ويقطعون تلك المسافات الشاسعة عبر رمال (الجافورة) وهم في طريقهم إلى (الزرنوقة) خصوصاً إذا عرفنا صعوبة السير في تلك الرمال، وأن ركائبهم كانت رديئة كما جاء ذلك على لسان الملك عبدالعزيز .