الطريق إلى الرياض

القسم الثالث

وادي المياه

أرض منخفضة شرقي (الصمان) تمتد من الشمال إلى الجنوب: فحدها الشمالي يبدأ من قرية (الكهفة) الواقعة جنوب غرب (النعيرية) ونهاية حدها الجنوبي(حمراء جودة).

وسميت هذه الأرض بوادي المياه لكثرة العيون والآبار التي تنتظم هذا المنخفض على طول امتداده، ولأن مياه الأمطار تبقى في مستقراتها مدةً طويلة، وقد قام على موارد المياه السابقة عدد من المدن والقرى في الوقت الحاضر، وينتظمها طريق مزفت من جنوبها إلى شمالها.

و(وادي المياه) مستحدث التسمية، وكان في وقت مضى يسمى (النقرة)؛ ولذا قال الشاعر العوني عن غارة الملك عبدالعزيز الأولى:

نادر حرار يوم تمت سبقه

هام الهدد بالقيض قبل أوجابها

شهر من النقرة ودار بعينه

يشوف في كفه من قدا مخلابها

من العيينة غب خمس ورده 

جم الحفر صافي القراح شرابها

 

ويبدو أن كل قبيلة تحل في هذا المكان تطلق عليه اسمًا غير الاسم الذي أطلقته عليه القبيلة التي سبقتها، فمن الأسماء التي كان يسمى بها: (الستار)، أو (الستارين)، أو (وادي الستار)، أو (وادي القرايا)، أو (الطف)، وفيما يأتي موجز عما قيل في هذه الأسماء:

 

١-الستار: من المعروف أن ما يسمى الآن (وادي المياه) كان يسكنه بنو تميم في الجاهلية وصدر الإسلام. وتعريف الستار في اللغة: «قال أبو منصور: السترة ما استترت به من شيء كائناً ما كان، وهو أيضًا الستار، قال أبو زياد الكلابي: ومن الجبال ستر، واحدها الستار: وهي جبال مستطيلة طولاً في الأرض ولم تطل في السماء، وهي مطرحة في البلاد والمطرحة أنك ترى الواحد منها ليس فيه وادٍ ولا مسيل، ولست ترى أحدًا يقطعها ويعلوها، وقال نصر.. والستار: ناحية بالبحرين ذات قرى تزيد على مئة لبني امرئ القيس بن زيد مناة  وأفناء سعد بن زيد مناة منها ثاج...»(٢٨١).

 

وقال ياقوت الحموي في معجمه رسم (حنيذ): «وقال أبو منصور - يعني الأزهري -: وقد رأيت بوادي الستارين  من ديار بني سعد عين ماء عليه نخل زين عامر، وقصور من قصور مياه العرب. يقال لذلك الماء (حنيذ)، وكان نشيله حاراً فإذا حقن في السقاء وعلق في الهواء حتى تضربه الريح عذب وطاب»(٢٨٢).

وفي رسم (الأجدلان) قال ياقوت: «الأجدلان: أبرقان من ديار عوف بن كعب بن سعد من أطراف الستار وهو وادٍ لامرئ القيس بن زيد مناة بن تميم حيث التقى هو وبيضاء الخط»(٢٨٣).

فأنت ترى أن القدماء يسمونه (الستار) وأحيانًا يسمونه  (وادي الستار) وقد يسمونه (الستارين).

قال ياقوت في رسم (ثرمداء) : «قال الأزهري: ماء لبني سعد في (وادي الستارين) وقد وردته يستقى منه بالعقال لقرب قعره»(٢٨٤).

وفي رسم (البثاء): «قال الأزهري: ولعل بثاءً لماء في ديار بني سعد أخذ من هذا، قال: وهو عين ماء عذب سقى نخلاً، قال: رأيتها في ديار بني سعد بالستارين»(٢٨٥).

وقد أطلق القدماء اسم (الستار) على ما يسمى الآن (وادي المياه) نسبة إلى الجبال المطلة عليه من الجهة الغربية التي تحمل في زمننا هذا عدة أسماء، فقد سمى المتقدمون هذه السلسلة من المرتفعات (الستار)؛ لكونها تشكل ساترًا بين هذا المنخفض من الأرض وما يتاخمها من جهة الغرب وهي أراضي (الصلب) و(الصمان). وقد يطلقون على هذه الجبال الممتدة من الشمال إلى الجنوب اسم (الستارين) لأنها تنفصل عند منتصفها، والسائر عبر الطريق المزفت يلحظ هذا الانفصال عندما يحاذي (العيينة).

 ٢- وادي القرايا: وكما سمي هذا الوادي في زمن متأخر بـ(وادي المياه)، فقد سمي أيضًا (وادي القرايا) لكثرة القرى التي تنتظمه، جاءت هذه التسمية في خبر أحداث سنة ١٢١٠هـ، فقد أورد المؤرغ حسين بن غنام في كتابه « تاريخ نجد» ما نصه: «لما تحقق سعود من نزول ثويني على (وادي القرايا) أرسل حسن بن مشاري مع جيش من المسلمين إلى أهل تلك البلاد لتطمئن نفوسهم، وكانوا قد ملئوا كربًا وهمًّا لتأخر سعود بالقدوم عليهم ثم لجأ سعود إلى الدهاء والحيلة فأرسل إلى حسين بن مشاري أن يجمع جيوش المسلمين على ماء (أم ربيعة) في تلك الناحية لأنها ميدان واسع للقتال...»(٢٨٦).

 ٣- الطَّف: من الأسماء المستحدثة لـ(وادي الستار)، ويبدو أنهم أطلقوا اسم (الطف) عليه لوجود المرتفعات المطلة عليه من الناحية الغربية، فأسموا سلسلة الجبال (الطف) فتعدى الاسم إلى القرى وموارد المياه، فقد أورد ابن غنام في أحداث سنة ١٢٠٧هـ ما نصه: «ثم ارتحل سعود بالمسلمين من (الأحساء) وقصد قرية (نطاع) ماء في (الطف)»(٢٨٧).

وفي أحداث سنة ١٢١٠هـ قال: «وظل ثويني بن عبدالله في الأحساء، ويعلن أنه قريب يستولي على بلدان نجد فيتم له النصر، ثم ارتحل عن الطف ونزل الشباك - ماء في نواحي بني خالد - فقضى الله عز وجل أن تكون هناك منيته على يد عبد ضعيف...»(٢٨٨).

ثم ساق قصة طعيس وقتله ثويني الذي سبب تفرق جنده وانهزامهم. وقد أكثر لوريمر في كتابه  «دليل الخليج» من ذكر (الطف) وعند كلامه عنه قال عن طبيعته: «سلسلة جبال، هي أكبر سلسلة في شرق الجزيرة العربية طولها حوالي مئة ميل، ولها نتوءان رئيسيان»(٢٨٩).

وعلى كل فما قيل عن وادي المياه و(الطف) فيه شيء من التداخل وعدم الوضوح، وهذا أمر يلحظه القارئ، ويستدعي الأمر تحليل تلك النصوص الواردة والجمع بينها لتحديد ما تعنيه بدقة، ولا يتسع المقام هنا للإطالة بأكثر مما قيل.