الطريق إلى الرياض

القسم الثالث

وسيع

ماء من الموارد القديمة. واقع غربي رمال الدهناء في الطرف الجنوبي الشرقي من جبال (العرمة )الجنوبية.

وآبار (وسيع) كثيرة العدد مطوية بالحجارة، ويدل على قدمها أنك ترى آثار أرشية الدلاء قد حفرت أخاديد في حجارة الطي، وأكثر هذه الآبار مهجور في الوقت الحاضر، وهي منتشرة هنا وهناك على طول مجرى الوادي قبل أن يفيض من جبل العرمة، ولتفرقها في ثلاث مجموعات أسماها الناس الآن بأسماء مختلفة؛ فالآبار الشمالية وعددها سبع آبار تسمى (الرُّفَيِّعَة) وهي واقعة على خط العرض ٤٥ً  ٢٢َ  ٢٤ْ وخط الطول ٣٥ً  ٤٥َ  ٤٧ْ أما الآبار الوسطى فتسمى (المُرَيْرُ) لمرارة مائها وعدد آبارها عشر واقعة على خط العرض ١٠ً  ٢٢َ  ٢٤ْ وخط الطول ٤٩ً  ٤٥َ  ٤٧ْ ، وأما الآبار الجنوبية فتسمى (السَّنَام) وعدد آبارها يربو على الثلاثين بئرًا: تقع على خط العرض ٥٥ً  ٢١َ  ٢٤ْ وخط الطول ٤٧ً  ٤٥َ  ٤٧ْ.

ويحتضن الوادي والآبار من الناحية الشمالية الغربية أنف بارز ممتد من جبل (العرمة) يعرف الآن باسم (خَشْم وسيع).

تبعد آبار (وسيع) عن (أبو جفان) الواقع عنها جهة الشمال الغربي مسافة ستة عشر كيلاً، وعن (مشاش التوضحيّة) الواقع عنها جهة الجنوب الشرقي أربعين كيلاً.

ويمر بآبار (وسيع) بعض الطرق القديمة منها طريق (حوِّجان) الذي ينحدر على الآبار من الجهة الشرقية، ويسمون هذا المنحدر (مُفَرِّح) لأنهم يفرحون عندما يرون المسافرين من أهليهم وهم قادمون مع هذا المنحدر.

وآبار (وسيع) هي التي ورد ذكرها في معلقة عنترة بن شداد العبسي باسم (الدُّحْرُضَيْن)، حيث قال وهو يصف ناقته:

 

شَرِبَتْ بماء الدُّحْرُضَينِ فَأصَبْحَتْ

زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عن حِيَاضِ الدَّيْلمِ

بَرَكَتْ على مَاءِ الرِّدَاعِ كَأَنما

بَرَكَتْ على قَصَب أَجَشَّ مُهَضَّم

 

وماء (الرِّداع) هو الآبار المسماة الآن (الحَفاير).

وقد ذكر قدماء علماء البلدان ماء (وسيع)؛ فقال عنه الهمداني وهو يصف طريقًا: «ومن عن يمينك قلات يقال لها النظيم نظيم الجفنة، ومن عن يمين ذلك على ميسرة الشباك شباك العرمة والغرابات، ثم تقطع العرمة فترد وشيعًا(٢٩٧)، وهو من مياه العرمة إلاَّ أنه مفضي في ناحية القاع»(٢٩٨).

وقال صاحب كتاب «بلاد العرب» وهو يعدد مياه بني مالك بن سعد: «ولهم بناحية اليمامة قرى كثيرة. ولهم وراء الدهناء ماءان عظيمان، يقال لهما وَسِيعٌ، ودُحْرُض، وفيهما يقول الشاعر:

 

شَرِبَتْ بِمَاءِ الدُّحْرُضَيْنِ فَأَصْبَحَتْ 

زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عن حِيَاضِ الدَّيْلَم»(٢٩٩)

 

وقد علق محقق كتاب «بلاد العرب» في هامش الصفحة بقوله:«.. ووسيع من أشهر المناهل، لا يزال معروفًا، ويقع في طرف العرمة الجنوبي، في وادٍ يسمى باسمه شرق بميل نحو الشمال وأصبح فيه سكان مقيمون لكونه أصبح من محطات سكة الحديد». انتهى.

وواقع الأمر أنه بعد الزيارة الميدانية لآبار (وسيع) اتضح أن سكة الحديد لا تمر بها، وليس حولها سكان سوى بعض الصنادق الخشبية المؤقتة.

ويبدو أن الأمر قد اختلط مع (الوسيع) الواقع في إبط (الدهناء) شمالاً من الطريق السريع للمتجه إلى المنطقة الشرقية، والذي يعد أحد مصادر المياه التي تغذي مدينة (الرياض) حاليًّا.

أما (وسيع) المنهل المشهور قديمًا، فآباره الآن مهجورة سوى بئر واحدة من آبار (المرير) يستقي منها القاطنون حولها في الصنادق وهم قلة.

أما أبو عبيد البكري فقال: «دُحْرُض:.. وهو ماء لبني سعد، قال البَعِيث:

 

شددتُ لها حَبْلاً إلى أوثَقِ العُرَا

ولو كان دوني دُحْرُض وَوَشِيعُ

ووشيع: ماء آخر لبني سعد أيضًا، قال الأصمعي: وإياهما أراد عنترة بقولة:

شربت بماء الدحرضين فأصبحت

زوراء تنفر عن حياض الديلم

لمَّا احتاج إلى جمعها سماهما باسم الأشهر فقال بماء الدحرضين»(٣٠٠). انتهى.

وقد رسم ياقوت الحموي لوسيع في «معجم البلدان» ولكنه لم يزد على قوله:

«وسيع: بفتح أوله وكسر ثانيه: ماء لبني سعد باليمامة»(٣٠١).

وفي رسم الدُّحرض قال:

«ماء بالقرب منه ماء يقال له وسيع فيجمع بينهما فيقال: الدُّحرضان كما يقال القمران للشمس والقمر، والعمران لأبي بكر وعمر، وهذان الماءان بين بني سعد وقشير. وقال نصر: دحرض ووسيع ماءان عظيمان وراء الدهناء لبني مالك بن سعد يثنى الدحرضين، ثم قال على أثر ذلك:

ودُحْرُض ماء لآل الزبرقان بن بدر بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد، ووسيع لبني أنف الناقة...

وقال أبو عمرو: الدحرضان: بلد؛ وإياهما عنى عنترة العبسي...»(٣٠٢) انتهى باختصار.

من هذه الأقوال المتقدمة يفهم أن ماء (دُحْرُض) مجاور لماء (وسيع) ولكونهما متقاربين جمع بينهما عنترة بن شداد، فثناهما: إذ غلب اسم دحرض فسماهما (الدحرضان).

كما يبدو من منطوق هذه النصوص ومن الزيارة الميدانية لآبار (وسيع) أن تلك الآبار الواقعة في أسفل الوادي عندما يتسع مجراه ويقرب من الخروج من جبال العرمة أنها هي (وسيع)، أما (دحرض) فهو الآبار الواقعة في أعلى الوادي مما يلي (خشم وسيع) التي تسمى الآن (الرُّفَيِّعَة).