الطريق إلى الرياض

القسم الثالث

الخاتمة

كشفت هذه الدراسة التي تناولت رصد الأحداث وتحركات الملك عبدالعزيز لاسترداد (الرياض) عن كثير من الجوانب القيادية في شخصية جلالته، فقد اتضح من خلال سياق الأحداث التي صاحبت تلك التحركات قوة عزيمة الملك عبدالعزيز التي اعتمد فيها على الله عزَّ وجلَّ، وإصراره على تحقيق قصده وإعادة تأسيس الدولة السعودية، كما دلّت الأحداث على حجم الصعوبة والمشقة التي واجهها الملك عبدالعزيز ورجاله منذ الخروج من (الكويت) حتى استرداد (الرياض) وبدءاً من (العيينة - عوينة كنهر) عندما رفض زعماء القبائل الانضمام إليه وهو ما اضطره إلى تكوين جيش من طلاب الكسب والعمل على تهيئته. فقاد هذا الجيش في وسط الجزيرة العربية معلناً قوته وهدفه النبيل.

وقد بيّنت هذه الصعوبات إستراتيجية الملك عبدالعزيز القيادية في تعامله مع الأحداث التي صاحبت تحركاته، والتطورات التي طرأت عليها، فقد تعامل معها بصبر وثبات، ولم يستسلم للضغوط التي واجهته من قبل الدولة العثمانية، على الرغم من تفرق جيشه عنه، ومن إلحاح والده عليه من خلال الرسالة التي أبدى فيها رغبته في التوقف عن تحقيق مرامه.

كما كشفت تحركات الملك عبدالعزيز نحو (الرياض) عن إستراتيجية محددة تدل على درايته التامة بمعظم الطرق المتصلة بـ (الرياض) من جميع الجهات، فقد شهدت الأحداث ثلاثة تحركات رئيسة قام بها الملك عبدالعزيز في المنطقة، وكان يحاول الاقتراب من (الرياض) لاستطلاع أحوالها، ومدى مناسبة دخولها، ثم يعود إلى جهات (الأحساء) ليتمون منها، وليتمكن أفراد جيشه من بيع الغنائم التي حصلوا عليها، وهذه التحركات تحتاج إلى دراية تامة بموارد المياه عبر الطرق الثانوية الموصلة إلى (الرياض)، والمتفرعة من الطُرق الرئيسة.

كما شهدت المرحلة الأخيرة من مسيرة الملك عبدالعزيز تحركات سرية تجنب فيها الطُرق المعروفة وسلك طرقاً ثانوية، أو طرقاً لا تؤدي إلى (الرياض) مباشرة، للتمويه، وبحيث لا يبتعد كثيراً عن موارد المياه، ويلحظ ذلك عندما ورد الملك عبدالعزيز ماء (ويسة)، اتجه جنوباً نحو (حرض). ثم ورد (أبو جفان)، وهو طريق بعيد مقارنة بالطريق المباشرة التي تصل (ويسة) بـ(أبو جفان)؛ وهذا الأسلوب يظهر فيه أثر السياسة الحذرة التي تعتمد على إخفاء الوجهة الحقيقية للهدف حتى آخر لحظة، وقد تكرر هذا المبدأ عندما تحرك الملك عبدالعزيز من (أبو جفان) متجهاً نحو (الرياض) فقد ترك (درب مزاليج) القريب من (الرياض)، ونزل مع (درب الخشبي) موهماً أنه سيترك) الرياض)على يمينه ويتجه غرباً، ثم غيَّر مساره باتجاه (الرياض) مباشرة.

كما اتضح أن الغارات التي قام بها الملك عبدالعزيز في أثناء التحركات لم يكن القصد من ورائها السلب أو المغنم، وإنما كان لجمع الرجال من حوله، والإعلان عن قوته، لذلك ترك خمس الغنائم التي من سهمه لأفراد جيشه ترغيباً لهم للمواصلة معه وتشجيعاً للآخرين لانضمام إليه.

ومن جوانب القيادة في تحركات الملك عبدالعزيز الاستشارة؛ فقد كان يستشير رجاله في الظروف الصعبة، وظهر ذلك عندما أطلعهم على رسالة والده وخيرهم بين البقاء معه أو العودة إلى (الكويت)، كما استشار أصحابه بعد أن قرروا الثبات معه في طريقة التعامل مع الموقف الراهن الذي نتج عنه قرار: التخفي، واقتحام (المصمك) بهجوم سري.

كما اتضح أن الملك عبدالعزيز قرر السيطرة على (المصمك) بالسياسة والحيلة، وذلك لرغبته في عدم استخدام القوة ما أمكن، وتجنب تعرض الأهالي لأي من المواجهات التي ليسوا هم طرفاً فيها.

لذا تحرك الملك عبدالعزيز نحو بيت عجلان أولاً، وعندما علم أنه ليس في بيته وأنه كان ينام في (المصمك)، غيّر من خطته لمواجهته بشكل مفاجئ عند خروجه. وتحقق للملك عبدالعزيز استرداد (الرياض) دون حدوث أدنى أثر لأهاليها الذين سمعوا صوت المنادي على إشراقة صباح اليوم الخامس من شهر شوال بأن الحكم لله ثم لعبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود من (المصمك).

وهكذا أصبح استرداد (الرياض) بدايةً ومنطلقاً لتأسيس المملكة العربية السعودية التي أعادت إلى المنطقة الدولة السعودية القائمة على أساس الإسلام وتطبيق شرع الله تعالى ونشر الأمن والاستقرار. وجاء هذا المنطلق بعد رحلة شاقة تكبد فيها الملك عبدالعزيز ورجاله الأوفياء المشقة والصعوبات الجمة حتى تحقق لهم النصر بتوفيق الله تعالى ثم حكمة الملك عبدالعزيز وشجاعته ولما اتسم به من صبر وأناة وعبقرية فذة. ومن جانب آخر فقد تضمنت هذه الدراسة تعريفاً بعدد من المواضع الجغرافية التي شهدت تحركات الملك عبدالعزيز، وروعي في ذلك تدوين نتائج المشاهدة الميدانية التي تمت لتلك المواضع.

كما تضمنت هذه الدراسة ملحقاً خاصاً بأسماء الرجال الثلاثة والستين الذين رافقوا الملك عبدالعزيز في مسيرته التاريخية لاسترداد (الرياض)، وذلك نتيجة لما قامت به لجنة مختصة تمّ تكوينها لهذا الغرض بتوجيه وإشراف مباشر من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز تمكّنت من دراسة المصادر والمراجع المتعددة والاتصال بأُسر أولئك الرجال والتحقق من الأسماء والمعلومات المتعلقة بها.